موسى الكليم الجزء الرابع

قال تعالى :" ولقد أريناه آ ياتنا كلها فكذب وأبى قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لانخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى "
يخبر الله تعالى عن شقاء فرعون وكثرة جهله وقلة عقله . فى تكذيبه بآيات الله تعالى واستكباره عن اتباعها وقوله لموسى : ان هذا الذى جئت به سحر ونحن نعارضك بمثله وطلب من موسى أن يواعده الى وقت معلوم ومكان معلوم .
وكان هذامقصد موسى حيث اختار يوم الزينة ليظهر آياته التى جاء به من عند الله تعالى واختار هذا اليوم وكان يوم عيد عند هم وان يحشر الناس وقت الضحى ليكون الحق واضح جلى لانه على بصيرة من ربه ويقين بأن الله تعالى سيظهر كلمته ودينه وإن رغمت أنوف الأقباط .
قال تعالى :" فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى ".
وكانت بلاد مصر فى ذلك الزمان مملوءة بالسحرة فجمعوا له من كل بلد ومن كل مكان فاجتمع منهم خلق كثير وقد اختلف فى عددهم فقيل أنهم كانوا ثمانين ألفا وقيل بضعة وثلاثين ألفا وقيل كانوا سبعين رجلا والله أعلى وأعلم ...

حضر فرعون وأمراؤه وأهل دولته وأهل بلده عن بكرة أبيهم فخرجوا وهم يقولون :" لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين "
وتقدم موسى عليه السلام إلى السحرة فوعظهم وزجرهم عن تعاطى السحر الباطل الذى فيه معارضه لآيات الله تعالى فتشاوروا بينهم فقائل منهم يقول ما هذا بكلام ساحر بل كلام نبى ومنهم من قال بل هو ساحر ولذلك أسروا النجوى .
وتحدثوا عن موسى وهارون وقالوا هذان ساحران عليمان متقنان لهذه الصنعة يريدان أن يستأصلاكم عن آخركم لذلك إجمعوا كيدكم لتكونوا الفائزون المقربون من فرعون ولكن هيهات أن يكون لهم ذلك ورب البرية مع موسى أخطأت الأراء وكذبت الظنون أنى يعارض البهتان والسحر والهذيان خوارق العادات التى أجراها الديان ...... فنجد السحرة يحض بعضهم بعضا على التقدم والفوز وذلك لما قد وعدهم فرعون وعد الغرور وما يعدهم الشيطان إلا غرورا .
قال تعالى :" قالوا يا موسى إما أن تلقى وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس فى نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما فى يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ".
لما اصطف السحرة ووقف موسى وهارون عليهما السلام تجاههم فقالوا له : إما أن تلقى وإما أن نكون أول الملقين فقال لهم موسى : بل ألقوا وكانوا قد عمدوا إلى حبال وعصى لهم وقيل أنهم أودعوها فى الزئبق وبعض الآلات التى تضطرب بسببها هذه العصى والحبال اضطرابا يخيل للرائى لها أنها تتحركفعند ذلك سحروا أعين الناس واسترهبوهم ويقولون وهم يلقونها :" بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون ".
قال تعالى :" فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم ".
وقال تعالى :" فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس فى نفسه خيفة موسى ".
أى خاف موسى على الناس أن يفتتنوا بسحرهم قبل أن يلقى ما فى يده فإنه لايصنع شيئا قبل أن يؤمر فأوحى إليه الله تعالى :" لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما فى يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ".
فعند ذلك ألقى موسى عصاه وقال :" ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لايفلح عمل المفسدين ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون ".
وقال تعالى :" وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هى تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين وألقى السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون ".
وذلك أن موسىعليه السلام لما ألقاها صارت حية عظيمة وعنق عظيم وشكل هائل مزعج بحيث أن الناس هربوا منها وتأخروا عن مكانها فأقبلت هى على الحبال والعصى فجعلت تلقفه واحدا تلو الآخر والناس ينظرون إليها ويتعجبون منها وأما السحرة فإنهم رأوا ما هالهم وحيرهم فى أمرهم واطلعوا على أمر لم يكن فى خلدهم و لاب الهم فعند ذلك تحققوا بما عندهم من علم أن هذا ليس بسحر ولا شعوذة ولا محال ولا خيال و بهتان ولا زور بل حق لايقدر عليه إلا الحق فكشف الله عن قلوبهم غشاوة الغفلة وأزاح عنها القسوة وأنابوا إلى ربهم ساجدين وقالوا جهرة للحاضرين :" آمنا برب موسى وهارون ".قال سعيد بن جبير وعكرمة والقاسم بن أبى بردة والأوزعى وغيرهم : لما سجد السحرة رأوا منازلهم وقصورهم من الجنة تهيأ لهم ولهذا لم يلتفتوا إلى توعد فرعون وتهويله لهم بالعذاب ، وتهديده وتوعيده .
قال تعالى :" آمنتم له قبل أن آذن لكم ".
وقوله تعالى :" إنه لكبيركم الذى علمكم السحر ".المقصود أن فرعون كذب وافترى وكفر غاية الكفر وقوله للسحرة :" لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ".يعنى يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى وعكسه :" ولأصلبنكم أجمعين "أى سوف يجعلهم مثلة ونكالا لمن يقتدى بهم وقال :" لأصلبنكم فى جذوع النخل ".
لانها أعلى وأشهر .......
ورد السحرة على فرعون فقالوا :" قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذى فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضى هذه الحياة الدنيا ".
أى نطيعك ونترك ما وقر واستقر فى قلوبنا من البينات والدلائل القاطعات فافعل ما تتوعدنا به انما تتوعدنا هذا فى الدنيا ونحن ننتظر ما هو أفضل فى الآخرة فقد صرنا إلى حكم الذى أسلمنا له واتبعنا رسله .
قال تعالى :" إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لايموت فيها ولا يحيا ومن يأت ربه مؤمنا قد عمل الصالحات فاولئك لهم الدرجات العلى جنات عدن تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى ".
المعنى أن السحرة أخذوا يقدمون النصيحة إلى فرعون ويخوفونه بأس ربهم فإياك أن تكون من أهل النار بل كن من أهل الجنة لنتال الدرجات العالية الرفيعة من الله تعالى ولكن القلب المملوء بالسود والكفر هيهات أن يلين لرب العالمين فقد كان فرعون من أهل النار يصب من فوق رأسه العذاب الحميم .
أما السحرة كما قال عبد الله بن عباس :" كانوا من أول النهار سحرة فصاروا فى آخره شهداء بررة .
ويؤيد هذا قولهم :" ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين ".
وللقصة بقيه إن قدر لنا البقاء
"ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب "