موسى الكليم الجزء الثالث

موسى عليه السلام مع فرعون عدو الله
قال تعالى فى محكم آياته فى سورة الشعراء :"وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون قال رب إنى أخاف أن يكذبون ويضيق صدرى ولا ينطلق لسانى فأرسل إلى هارون ولهم على ذنب فأخاف أن يقتلون قال كلا فا ذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين أن أرسل معنا بنى إسرائيل قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التى فعلت وأنت من الكافرين " ...
وتقدير الكلام أن الله تعالى أمر موسى وهارون أن يذهبا إلى فرعون ويدعوه إلى عباده الله تعالى وحده لا شريك له وأن يفك أسر بنى إسرائيل من قبضته وقهره وسطوته ويتركهم يعبدون ربهم حيث شاءوا ويتفرغون لعبادته وتوحيده والتضرع إليه ........
ولكن فرعون تكبر فى نفسه وعتا وطغى ونظر إلى موسى بعين السخرية والازدراء فقال له: أما أنت الذى ربيناه فى منزلنا ؟ وأحسنا إليه وأنعمنا عليه مدة من الدهر ....وقتلت الرجل القبطى وفررت منا وكنت جاحدا لنعمتنا عليك .
قال تعالى :" وفعلت فعلتك التى فعلت وأنت من الكافرين ".
قال تعالى:" قال فعلتها إذن وأنا من الضالين ففرت منكم لما خفتكم فوهب لى ربى حكما وجعلنى من المرسلين وتلك نعمة تمنها على أن عبدت بنى إسرائيل "
أى فعلت ذلك قبل أن يوحى الى وهذه النعمة التى تمن بها على من أنك أحسنت إلى وأنا رجل من بنى إسرائيل تقابل ما استخدمت هذا الشعب واستعبدتهم فى أعمالك وخدماتك وأشغالك....
قال تعالى :" قال فرعون وما رب العالمين قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين قال إن رسولكم الذى أرسل إليكم لمجنون قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون ".
يذكر الله تعالى ما كان بين موسى وفرعون من المقاولة والمحاجة والمناظرة وما أقام الكليم على فرعون اللئيم من الحجة العقلية المعنويه ثم الحسية ....
إلا أن فرعون قبحه الله أظهر الجحد والتكبر على خالق الأكوان . زعم أنه الاله " فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى"
" وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيرى "
وهو فى ذلك معاندا لله تعالى وهو يعلم أنه عبد مربوب وأن الله هو الخالق البارئ المصور الإله الحق كما قال تعالى فى محكم تنزيله :" وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين "
ولهذا قال لموسى على سبيل الانكار " وما رب العالمين"
لانهم قالا إنا رسول رب العالمين ......... فأجابه موسى " رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين"
وهذا يعنى أن رب العالمين هو الخالق لهذه السماوات والأرض وما بينهما من مخلوقات متعددة لايعلم بها إلا الله سبحانه وتعالى من نبات وحيوان ومن سحاب ورياح ومطر وغير ذلك مما لايعد ولا يحصى ....وقال فرعون لمن حوله من امرائه ووزرائه على سبيل التهكم والسخرية " ألا تستمعون "فرد الكليم " ربكم ورب آبائكم الأولين"
أى هو الذى خلقكم والذين من قبلكم من الآباء والأجداد.
فكل إنسان يعلم أنه لم يخلق نفسه ولا والده ولا أولاده وإنما أوجده الخالق سبحانه وتعالى.......
وهذان هما المقامان المذكوران فى قوله تعالى:" وسنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق"
وقال رب العزة تعالى :"قال إن رسولكم الذى أرسل إليكم لمجنون قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون قال لئن اتخذت إلها غيرى لأجعلنك من المسجونين قال أولو جئتك بشيء مبين قال فأت به إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هى ثعبان مبين ونزع يده فإذا هى بيضاء للناظرين"
ومع هذا كله لم يستفق فرعون من رقدته بل استمر على طغيانه وعناده وكفره على الرغم من قول موسى له أن الله تعالى هو المسخر لهذه الكواكب الزاهرة المسير للأفلاك الدائرة خالق الظلام والضياء ، رب الأرض والسماء ، رب الأولين والأخرين خالق الشمس والقمر والكواكب السائرة والثوابت الحائرة خالق الليل بظلامه والنهار بضيائه والكل تحت قهره وتسخيره وتسييره سائرون وفى الفلك يسبحون يتعاقبون فى سائر الأوقات ويدورون فهو الخالق المالك المتصرف فى خلقه بما يشاء....
فلما قامت الحجج على فرعون وانقطعت شبهه لم يبق له سوى العناد وقد أيد الله تعالى نبيه بالبراهين منها العصا واليد وقيل أنه حين ألقى موسى عصاه وعندما تحولت إلى ثعبان كبير قيل أن فرعون عندما رأى هذا المنظر أصابه الفزع والخوف الشديد وهكذا عندما أخرج موسى يده من جيبه وكانت مثل ضوء القمر ...تتلألأ نورا يبهر الأبصار فإذا أعادها وأخرجها كانت كما هى صفتها الأولى ومع هذا لم ينتفع فرعون بهذه الآيات البينات بل استمر على ما هو عليه وأظهر أن هذا كله سحر .....وأراد معارضته بالسحره فأرسل يجمعهم من سائر مملكته ومن هم فى رعيته وتحت قهره ودولته كما سيأتى بسطه وبيانه من اظهار الله للحق
اللهم اجعلنا نرى الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
وللقصة بقيه مع موسى الكليم وسحرة فرعون وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين